الجنة تحت اقدام الامهات

رأيتها هناك تفترش الطريق ... باسطة بضاعة قديمة متهالكة ... في زمن ناطحات السحاب و المراكز التجارية العملاقة ... شاحبة الوجه نحيلة القوام ... معالم الذبول على وجنتيها ... أكل منها الهم وشرب ... تجاعيد الزمن رسمت معالم سنين العذاب التي مرت بها ... يحيط بها الأسى من كل جانب ... عيناها تموجان بالحزن ... عبرتها تحاول الانسلاخ وفك القيد ... تحاول الهرولة خارج محيط عينيها ... ولكنها تقاوم ذلك وتأبى أن يرى الآخرين تلك الدموع ...
اقتربت إليها محاولاً التغلغل إلى أعماق هذه المرأة ... والتي أنهكت قواها الأيام والسنين ...
سألتها : أماه ماذا تبسطين هنا ؟
انتفضت مشاعر كامنة بداخلها ... وأحدثت زلزال داخلي بعد ذلك السؤال ... أنفجر ذلك البركان دموعاً كانت تحبسها ... حاولت إغلاق جفنيها ولكن هيهات فقد سبق السيف العدل ... لم تستطع معها أن توقف تلك الدموع والتي جرت على خديها بما يحمله من تجاعيد ...
اضطربت أحاسيسي ... هالني الموقف ... تمنيت لو لم أسألها ذلك السؤال الذي أحدث هذه الثورة العارمة ... وكأني أيقظت جروحاً تماثلت للشفاء ...
مسحت دمعها بيدي وسألتها لماذا تبكين يا أماه ؟
قالت بصوت مبحوح ممزوج بالحزن : ألم تقل لي يا أماه ... أنا لم أسمعها منذ عشرون عاماً !!
أحسست بالحرج الشديد وأنا أذكرها بابنها المتوفى ...
قاطعتها قائلاً : الله يرحم أبنك يا أماه ...
لم تمهلني طويلاً لتفاجئني بقولها : بعد الشر أبنائي بخير والله يديم عليهم الصحة والعافية !!

أصابني العجب وأنا أسمع هذه الكلمات إذ كيف تقول إنها لم تسمع كلمة أماه منذ عشرون عاماً !!
بادرتها بهذا السؤال عل أن تنجلي علامات العجب وترتوي علامات الاستفهام بالإجابة ...
توقفت لحظات عن الكلام وساد الصمت المكان ... وكأنه هدوء ما قبل العاصفة ... ما لبثت حتى انهمرت بحار العيون ... وضجت الأضلع بالهمهمة ... حاولت جاهداً إيقاف تلك الدموع فلم تسعفني مناديلي فالمصاب أكبر من أن يحتمل ...
وضعت يديها على خديها وانحنت برأسها بين قدميها ... استمرت طويلاً على هذا الحال وأنا مازلت في حيرة من أمري ... غسلت أحزانها و انجلت همومها ... فتوقفت بعد إذ تعبت ... فقامت وجمعت بضاعتها القديمة الباليه ثم وضعتها فوق رأسها وهي تقول : يا بني هي مشاغل الحياة التي أبعدت أبنائي عني ... هي مشاغل الحياة !!
تذكير:
عند الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حلَّ بها البلاء… وذكر منها: وأطاع الرجل زوجته وعقَّ أمه ) ...